Hoppa till huvudinnehåll

الأمل :  كجزءٍ من الذخيرة الباقية

Credits دنيا الأمل إسماعيل 26 maj 2023

كلما ضبطت نفسي متأملة في المعاني ، وقعتُ على زيف التعامل وما يسبقه من رؤى جوانية للمستتر والعلني ، ما هو مخبوء ومكشوف ، تماما كأننا في متاهة الثنائية العمياء التي ترينا الأشياء والمعاني في ضدية مقيتة أو تقابلية مفرطة في سهولةٍ بائنة. فما معنى الأمل ؟ وما معنى أن نعيش في أمل أو أن ننتظر الأمل، وكيف يصبح مجاورًا أزليًا لليأس ، وهما يلعبان معاً لعبة الحياة ضد الإنسان ومن أجله.

هل نحن محكومون بالأمل كما قال يومًا ما، الكاتب المسرحي المغاير: سعدالله ونوس، أم مريضون بالأمل كما قال لي يومًا ما – أيضاً- الشاعر اللبناني عباس بيضون ذات لقاء وذات حزنٍ مسكوبٍ في قصائد ترثي واقعُا عربيًا مقموعًا امتهن الأمل والألم معاً في جدلية وثنائية موجعة وحارقة. كان ذلك في قاهرة العز يوم أن كان للعز قاهرون كثر في السياسة والأدب والحياة.

ربما بساطة المفردة / الأمل تحيل دائما إلى الأحلام المنعشة للروح والوجدان، كأقنعةٍ مهترئة لنواقص الحياة التي تنام تحت وسادتنا بوداعة المقهورين والمقهورات من ترتيبات الحياة غير المنصفة.

نحن نتلهى بالأمل لأننا غير قادرين وغير قادرات على الاعتراف بالخيبة والعجز، إنه العصا التي نهشّ بها على عثرات الطريق والروح في الأوقات العصيبة التي تنمو في جنبات التهميش والإقصاء والإمحاء، تنمو كظل شجرةٍ عجوزٍ عامرةٍ بالتاريخ، لكن بلا ثمر، وكيف للظل أن يطرح ثمراً سوى في أملٍ خائب ، أو بسحرٍ ساحرٍ يسكن حكايات الجدات . إننا نعيش أملاُ لا شفاء منه كما دلقها في وجوهنا هكذا عنوّة ًدون رحمةٍ فواز طرابلسي. ونحرص على تفقده - هذا الأمل المؤلم- كلما باغتنا الحنين كحرصنا على تفقد إغلاق الأبواب والنوافذ ليلاً؛ خوفاً من دخول العابرين والعابرات خلسةً ؛ أناساً وكائنات أخرى. وربما خوفاً من رياح التغيير أو شموس الحقائق.

وفي انتظار الأمل قضينا أوقاتاً مشفوعةً بالتمني والدعاء أحياناً والركون إلى مشاعر التصالح الزائفة كأداةٍ نفسيةٍ نستخدمها حين تنقطع بنا الحيل وينقطع بنا الأمل في الأمل. ونصبح ككرة ثلجٍ تثْقُل وتكبر كلما اندفعتْ نحو الأمام بلا هدف ، تسير بقوةِ الدفع الذاتي دون أسئلة مرة، أو غواياتٍ تشقلب سكينة القلوب ناراً تشعل حواف الصمت بدانتيلا الشغف والدهشة والانطلاق. فنعود نربّي الأمل في عطر زنبقة تنثر بياضها على الروح والكون فتستعيد ما كان كائنًا من بهجةٍ واطمئنان وسلام كوني، ضاع في غمرة الحروب والنزاعات وانعدام المساواة . كان على الأمل أن يصمد ليبقى أداة للمقاومة وليس أداة للخنوع أو اليأس أو الاحباط. أن يكون حصانةً لنا ضد الانكسار. أن نحرس به إنسانيّتنا من كل هذا القبح والزيف المحيطان بنا ليل نهار.

كان عليه أن يكون عزاءً ينتشلنا من لجّة اليأس، ووعداً يهبنا دروبًا خضرًا جديدة خالية من عناءَ ما مضى وعناء ما سيأتي. لكنه أوقعنا في الريبةً والخديعة لأنه ببساطة لم يفعل كل ذلك. فكلّ شيء خسر جدواه مع انكسار الأمل في تحقيق العدل والمساواة والسلام بين البشر، بين البلدان، بين بينينا.

لم يعد هناك شيء يبعث فينا الأمل ويُجنّبنا الانكسار. وربما هذا أقوى ما فينا لأنه لا يتحطّم بسب أنه لا يأمل ولا يتطلع إلى شيء، إنه عيش الخسارة وتشّربِها كرفضٍ سلبي لما يحدث ولما يمكن أن يحدث .

وقعنا في اليأس ؛ وقعنا في الفخ إذن.

نعم، ونعم تمامًا ، وكم هو مريحٌ هذا اليأس؛ لا يقاتل ، لا يتمنى، لا يجادل، لا ينتظر. إنه مريح، مريح جداً ولا يدخلنا في معارك جديدة خاسرة. إنه مكتفٍ بذاته ولذاته ؛ لذلك أصبحنا أكثر حصانة من الانكسار والانهيار. وهذا سمح لنا أن نمارس ذاتيّنا دون أن نكرر لوم أنفسنا أو توبيخها. أصبحنا أكثر استرخاءً نملك بصيرةً أعمق، ورؤية أوضح للعالم والأشياء والناس من حولنا.

لقد جابت أرواحنا ونفوسنا طرقا مغلقة تارةً وسهلةً تارةً أخرى، لكنها دائمًا كانت متعلقة بأذيال الأمل كأمٍ رؤوم تبث عطفها في وريد الوقت ليصبح أجمل وأكثر رحمةً، أقل بؤساً، واعداً بطرقٍ جديدة وممرات معبدّة بالورود والرياحين. لكن صَلاتنا لا تفتح وحدها أبواب السماء. ومسمومٌ هذا الأملٌ الذي يُقنعكَ بأنّ الحياةَ بهيّةٌ بما يكفي لكي تحلم بالخلاص المجاني المزيف والزائف.

الأمل هو من يمَنَحنا موتًا مؤجلًا ، نعم، ولكن بطريقةٍ ما، سوف نعثرُ على صوتِنا يتمَشّى في الطرقات يُحَيّي المارّة، يُلملِمُ ما تساقَطَ منهُ من أمنيات قديمة وأحلام مؤجلة. كافحت مرارًا مريرة من أجل التبشير بمركزية الحرية والعدل، والاستثمار في الجمال والحب، وكأنها خيبة أمل لم نكن نعلم أنها كانت مختبئة في مكانٍ ما داخل كهف مشاعرنا.

اليأس كمرثيةٍ للأمل:

يومًا ما، قال حكيم : إياكم وطول الأمل، فإنَّ مَن ألهاهُ أملهُ أخزاهُ عمله.

توهمنا نفحات الأمل العابر بخلاصٍ رمزي ما يؤهّل الذات لمناطحة عالم تجاوز إنسانيتنا ببشاعته وسلبيته وشتى مناحيه المنقوصة.

لسنا بحاجة إلى مرور وقت كثير لنعلم ونقر بأنّنا جميعا - ربما وغالبًا - في موقع الخيبة وليس في موقع من خيّب أمل غيره.

كطائر المنيرفا هو الأمل:

قال الطغرائي عن الأمل في حياتنا: أعلّلُ النفسَ بالآمالِ أَرقبُها ما أضيقَ العيشَ لولا فُسحةُ الأملِ.

كعصا الساحر؛ تجعل زراعة الأمل في النفوس الممنوع سهلا والمستحيل ممكناً وكثيراً ما يقولون إن الشخص يحتاج إلى ثلاثة أشياء فقط ليكون سعيداً في هذا العالم: شخص يحبه، وشيء يفعله، وشيء يأمل فيه. ربما لذلك باستطاعة أي إنسان القيام بأشياء وأفعال لا تصدق إذا كان لديه ما يكفي من الأمل. ما يمنح فرصة للذات لاسترداد عافيتها من جديد.

على ناصية أخرى وذات صلة ؛ إنّ أعظمُ ما يورثنا إياه اليأس/ رفيق الأمل ونفيضه هو الجرأة، التي تحيي الأمل من جديد، وتحث النفوس على انتهاج طرق جديدة مغايرة وثائرة، فالأمل هو أيضاً وبمعنى ما، ثورة على السائد وخنوع له في الآن ذاته، يلعب على مقاس المحذوف من إنسانيتنا، معانقا أفق البياض المتروك لأصداء صوتنا الداخلي المخنوق برواسب المعاناة العابرة للأزمان، التي قد يتقاسمها جيل بكامله، وهو يمارس لعبة لغوية/ نفسية / سياسية تجلد الذات والآخر والوطن، غير قادرة على الانعتاق من سطوتها الصنمية على أقدارنا حدّ الاستعباد. وما يجب خشيته هنا أن تتحول مهمّة تحطيم الأصنام - بحدّ ذاتها – في رحلة البحث عن الأمل، إلى مشروع صنمي موازٍ.

حين يكون الأمل مدجّجًا بالمعرفة واليقين قد يقود ربما للخلاص. كأنه فرح غامض يساعدنا في التغلّب على الصعوبة والخسارة ، في نظرةٍ أقرب ما تكون الى طائر المنيرفا - في فلسفة هيغل - وهو يبسط جناحيّ الحكمة عند الغسق، حينما ينجلي غبار النهار وتتضح صورة الواقع أكثر وأعمق.

يصبح هنا؛ لليأس قيمة أخرى، أنّه يجعلنا نعيش على ضفاف الوقت كي يتسنى لنا التفرس في التفاصيل واستخلاص المعنى دون أن نقع تحت مقصلة الاستهلَاك واستنزاَف الطاقات وابتزاز سؤال الخلاص والوجود وعبء الإجابة عنه، ليمنحنا غفرانًا عن ذنوب لم نقترفها لكنها آلت إلينا بالوراثة ونجتهد عميقاً في نسيانها تمامًا وحذفها من الذاكرة وكأنها لم تكن.

بلا كللٍ أو ملل، أبحث عن الأمل؛ كجزءٍ من الذخيرة الباقية، أتأمل معاني الحياة وتصاريفها، وأجزع للفقد وللمرض وللغياب ومنهم، وأطير من روعة المفاجآت، وقصص الحب أينما وكيفما وجدت حتى تكتسب حياة متجدّدة مع أجيال قادمة أقل يأساً وأكثر املاً ربما .

Like what you read?

Take action for freedom of expression and donate to PEN/Opp. Our work depends upon funding and donors. Every contribution, big or small, is valuable for us.

Ge en gåva på Patreon
Fler sätt att engagera sig

Sök